من الذاكرة، شهبا البلدة التي لاتنسى
الخميس 6 أغسطس / آب 2015 22:14
توفيق الحلاق
توفيق الحلاق: سوريات:
كان النهار طويلا وجميلا في بلدة شهبا إلى الجنوب من دمشق ب85 كيلومترا .. كان ابن شهبا فيليب العربي حكم الامبراطورية الرومانية عام 244 ميلادية قد جعل بلدته على شاكلة أعرق مدن الامبراطورية .
وعرفنا من موظف الآثار هناك أن تاريخ مدينة شهبا يعود إلى العصر الحجري، لكن الفترة الحضارية الهامة من تاريخها هو عصر الامبراطورية الرومانية ، مشينا في شوارعها المرصوفة مثل شارع ديكومانوس والبوابات الاربعة في الغرب والشرق والشمال والجنوب وهي عبارة عن مداخل للمدينة وشاهدنا أثارا مذهلة واقواس نصر ومبان إدارية وسكنية، وروى لنا المختار كيف كانت مركزآ هامآ للقيادة على مستوى الامبراطورية الرومانية.
حدث ذلك في خريف عام 1974 وكنت يومها أقدم برنامجا بعنوان "حياة بلدة" وكان يشاركني في إعداده الأديب عبد الرحمن عمار .
غابت الشمس وأوينا إلى مضافة المختار، كان رجال البلدة سبقونا إليها وتجاوروا على المقاعد الطويلة الممتدة على طول جدران المضافة، وقفوا وسلموا ورحبوا وجلسنا نتجاذب الحديث وجلّه قصص بطولات أهل جبل العرب، وبعضه عن عاداتهم وتقاليدهم ومنها ذلك المنسف الذي دخل إلينا به أربعة رجال وحطوا به على أرض المضافة، كانت المرّة الأولى التي أتذوق فيها ذلك الطعام فأعشقه عشقا أبديا، برغل ولبن مجفف وأنواع الكبة ولحم ضأن وسمن عربية... تأكل فلاتشبع، فإن شبعت تجوع ثانية فتهرع إليه، رَحل المنسف شبه فارغ ودخلت صوان من الحلوى ثم كؤوس الشاي فيما الأحاديث مستمرة دونما انقطاع .
طال السمر والسهر حتى لم أعد قادراً على الإمساك بجفنيّ عن الإطباق ، وكان لابد من الإعتذار ، لكن كيف تعتذر من أناس بكل ذلك الأدب واللطف والكرم قائلا : نعست ياجماعة لاتآخذوني ؟ نظرت باتجاه المضيف فأتى مسرعا ووضع أذنه فوق فمي فهمست له بما أنا فيه من نعس . قال مبتسما : ماهني قاعدين يسلوك يا أستاذ . ثم قال بصوت جهوري : ياجماعة ضيفكم نعسان، وقف الجميع ووقفت معهم وتبادلنا التحية وقبل أن يمضوا قال أحدهم: بالإذن من المعذب الفطور عندي لكل الحاضرين، قال آخر : وإنشاء الله الغدا عندي، وقال ثالث ، وبتشرفونا جميعا ع العشا . وهكدا استيقظت صباحا لأجدني في نفس المكان مدثرا بأغطية ناعمة جميلة، وفي صحن الدار وجدت مضيفي وزوجته في انتطاري، كان يحمل ابريقا مذهبا وهي تحمل وعاء مقعرا، صب على يديّ وغسلت وجهي وأنا في حال من الخجل الشديد .
أربعة أيام قضيتها في ذلك المكان والزمان أتنقل كل يوم بين ثلاثة بيوت وأزداد عشقا للبلد وأهله، وحين اشتعلت مظاهرات شهبا بداية الثورة صرت أتفحص وجوه الشباب فوجدتهم يشبهون آباءهم ويشبهون حضارتهم الممتدة في جذور الحضارة والتاريخ.
 
 




أخر ما نشر