اللاجئون والبطاطا
الجمعة 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 20:34
مزنة الزهوري
اللاجئون والبطاطا
كل استقلال، نحن والوطن جيران!
ونحن نجلس في محاضرةٍ لمادة الثقافة، ذكَّرنا الدكتور الذي يُدرسنا المادة بأنّنا سنخرج قبل انتهاء الوقت المحدد للمحاضرة، لكي نشارك بالحفل الذي تقيمه الجامعة في ذكرى استقلال لبنان، وبينما يتحدث لنا عن هذه الإحتفاليات التي اعتادتها الجامعة، قال متساءلاً : ( كم واحد يحفظ النشيد الوطني اللبناني؟!)، ردّ أحد الطلاب اللبنانيين: (أنا، بس مش كتير!)
الكلمات التي كانت سبباً لفتح نقاش بسيط بين الطلاب والدكتور، أبرز ما قيل فيه:
(خلي السوريين ينشدوا نشيدهم! انتو هون تقريباً خمسين طالب لبناني وعشرين سوري!
تقولُ الأخت السورية هناك أنّ سبب حفظهم لنشيدهم ، تحية العلم الصباحية في مدارسهم!
نحن ماعنا هيك !
أنا فخور إني حافظ نشيد لبنان منذ نعومة أظفاري!,,,,,,,,, )

خرجنا من القاعة، ولازالت الكلمات والحديث يراودني ويأخذني إلى تلك الباحات التي لم تتغير ملامحها بالثلج والمطر والشمس والرياح!
إلى تلك المدارس التي احتضنتني خلف الحدود الموازية لهذه الجبال.
نعم، كنّا كلّ صباح نؤدي تحيّة العلم في بلادي سوريّة، وننشد النشيد الوطني؛ أيضاً في نهاية الأسبوع كنّا نودّع المدرسة بذات الطريقة.
كنتُ يوماً ما الطالبة المسؤولة عن إيعاذات تحية العلم، فكنت أنبّه الطلاب بالشطر الأول من الجملة ، ويردّ جميعهم بالتكملة:
[ أمّة عربية واحدة,,,,,ذات رسالة خالدة]
[ أهدافنا: وحدة,,,حريّة,,,اشتراكيّة]
[نِــــــــــــــداء رفيقي الطليعي :
كُن مستعدّاً دائماً لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد والدفاع عنه.
مستعداً دائماً.]
أحياناً يلقي أحد الطلبة كلمة شعر أو رسالة شهيد بالطريقة التي يرغبها !
ردّدنا تلك الشعارات كثيراً، علّمنا الأساتذة أنّها جزءٌ مهمٌّ منّا، آمنا بها إلى أن أزهر ربيعنا العربي بثوراته مع بداية شبابنا،
لم أكن منقطعة عن دوام المدرسة إلاّ لأسبوعين فقط،عندما انطلقت شرارة الثورة في بلادي ، حيث أنّني أهيئ نفسي لتقديم امتحان الشهادة الثانوية الرسمية.
الباحات بقيت تصدر تلك الأصوات العالية لحناجر الطلاب، والمظاهرات تعلو أكثر بقيّة النهار بحناجر الشعب، تلك البداية التي أيقظتنا ممّا زرعوه في أدمغتنا بُهتاناً.
بكلّ تأكيد بُهتاناً؛ لمجرّد كلمة " الحريّة" التي واكبنا السلميّة لأجلها، لقّمَ نظام الأسد فوّهات الدبابات وراجمات الصواريخ على صدورنا الرافعة أغصان الزيتون والياسمين.
لم تتحقق " الوحدة" ولا " الإشتراكية" المنشودة بتردادنا كالببغاوات، كلّ ذاك ذهب أدراج الرياح ، حتى الأمّة العربية لم تكن واحدة، لم يتطلع أحدٌ لصرخات أمهاتنا وأطفالنا!
مشيتُ الخطوات إلى موقع الإحتفال وسط الجامعة، لأشاهد المراسم، أُلقيت الكلمات معبرة عن الفرح للإستقلال، عن أهميّة اليوم التالي، عن مآلات البلاد ,,,,,
وانتهت جميعها بـ " عشتم، وعاش لبنان".
ألسنا أمّة عربية واحدة! ألم تتحرر الدول العربية من الإستعمار، لما لازالت الحدود الفاصلة ؟
لِما فُصِل لبنان عن حضن سوريّة؟ و اُقتطعت فلسطين؟ وبات الأردن مملكة! و,,,,,,وووو,,,,,
الكثير من التساؤلات التي تراودني ، اكتفت أجوبتها بأنّني " لاجئة" في الوطن الشقيق لوطني!
أجوبتها اعتزلت الخوف الذي كان مَلغياً في مدارسنا هناك.
بالطبع عندما تخرج من بلدك بعد رحلة الموت المقابل لكلمة "حريّة" لن تهاب شيئاً تفكر به.
بحثت في مواقع الإنترنت عن الإستقلال للبلد الذي لجأت إليه وأحترم خصوصياته، وجدتُ التاريخ يؤكد ما قاله الدكتور لنا على الهامش( مابعرف ليش متذكر إنّه استقلال سورية ولبنان كان بيوم واحد)!
صدقت يادكتور، الإستقلال هو الجلاء من الإنتداب الفرنسي بيوم 17نيسان 1946م ،أمّا أحداث استقلال لبنان 22 تشرين الثاني 1943م حكايةٌ أخرى، تُوِّجَت برفع علم لبنان الحالي.
بكلّ الأحوال لا أريد الوقوف عند هذه النقطة، بقدر ما أريد أن ألقي الضوء عليه بطريقةٍ لم تتعمد العشوائية.
منذ أيام صادف السادس عشر من تشرين الثاني، وهو ذكرى لما يُسمّى" الحركة التصحيحية للقائد الخالد"
أتعلمون مَن هو هذا الخالد؟! أتعلمون أبرز إنجازاتها وإنجازاته؟!
لايهم أن تبحثوا وتكترثوا، جُلّ ماأتمناه أن تفتحوا شاشات التلفاز وتشاهدوا الطائرات الروسيّة ووحشية قصفها للسوريين الآمنين.
أن تتجولوا بين بيوت السوريين وخيمهم في بلادكم؟
أن تقرأوا في المواقع الإلكترونية عن استعراضات ميليشياتكم على الأراضي السورية الحدودية، ومعارك استبسالهم في حلب وغيرها.
لا أعلم لِمَا انتابني شعور السُخرية من ذاتي وأنا أدعوكم لهذه الأفعال، فكلّ هذا لايعنيكم ولن تصدقوا الأقوال والروايات إلاّ بحسب انتماءاتكم .
هذا اليوم ضحكت رغم قهري على عبارة لفَظَتها صديقتي "إي الإنسان كلّه ع بعضه مالو قيمة هون."
هو الواقع الذي لا تستطيعون إنكاره بتحكم الدولار والمازوت بأوكسجينكم، بتحكم النظام السوري بالكهرباء التي يمنعها عن سورية ليزود حلفاؤه هنا بها.
زادت رغباتي بمعرفة مواقفكم من اليوم الوطني عندكم وفهمكم لتاريخه، فوجدت معظم أصدقائي اللبنانيين يغردون إلكترونياً ( في ذكرى الاستقلال : في عهد الاستعمار كان لساننا عربيا، في عهد الاستعمار كانت رجالنا من صنعنا ..، كانت بنادقنا مصوبة لصدر المستعمر .بعدها اتجهت بنادقنا لصدورنا، رحل المستعمر وكنا نأكل مما نزرع فأصبحنا نأكل مما يزرع ، في ذكرى الإستقلال :رحل عنا تاركا الارض مستعمرا العقل والفكر,,,)
عندما انتهينا من الدوام، و سارت المركبة بنا إلى منازلنا، مررنا بالحقول الزراعية التي انتشرت فيها عشرات السيدات من اللاجئات السوريات وأطفالهن، وتوزعت بينهم أكوام من البطاطا ، ولازالوا يكملون، المشهد الذي احتلت لقطاته حيزّاً من ذاكرتي المستقبلية .
جميعنا طلاب من الجامعة داخل المركبة ، وحدي سوريّة الجنسيّة وكلّهم من هذا الوطن ، الجميع ينظر من النوافذ على فيلم النشاط والإنتاج، على الشمس الخريفيّة الساطعة التي نسجت وجودهم بأُنس الطبيعة، لازالت ابتسامة إحدى اللبنانيات الجالسة بجانبي تقول لصديقتها " ما أحلاهن!"
، يا عزيزتي هل تشعرين بحرارة ألمي، المنبعثة دمعات جامدة، تعبر الزجاج لتصل إلى وجوههم، إلى تعبهم، إلى أناملهم….؟!
سأخبرك ياعزيزتي بشيءٍ أحسدكم عليه، ألا وهو تقديسكم للمؤسسة العسكرية الحامية لبلادكم رغم بقاء الحكم خالياً من رئيس لأكثر من عامين؛ ولكنّ تلك الجبال التي أتيتُ من خلفها يوجد جيشٌ يُدعى "الجيش السوري" لا يحمي المواطنين ويسهر لأجلهم؛ بل هو اليد الساخطة التي يضرب بها "نظام الأسد" نيرانه رداً على " الحريّة" ، هنالك جيش استدعى جيوش العالم ليقتل الشعب، بدأ جرائمه مُذ صرخَ أطفالنا " حريّة" ،داهم المدن ليبطش بسكانها ،ليهددهم ويتوعد بأنّه الساحر الذي يحولهم لبطاطا كما التي يزرعونها.
فقط أريدك أن تتأملي ياعزيزتي هذه البطاطا و العاملات بجنيها، ثم اخلدي إلى روايات اللانهاية عن آلام الإنسان الذي يريد أن يملك الحرية، ليحتفل مثلكم بالإستقلال، والتي تحوّل لأجلها جارٌ للوطن ، فـ إمّا أن يكون بطاطا من دماء جسده هناك، أو يلجأ لوطنكم ويجني البطاطا ليضمن العيش بكرامة!




أخر ما نشر