ذات برميل في حلب
الأربعاء 21 ديسمبر / كانون الأول 2016 00:05
توفيق الحلاق
ذات برميل في حلب
حدث في حلب ... كما لم يحدث ولن يحدث في أية بقعة في العالم .( منقول عن أبوسامر _ حلب )
الشارع مزدحم.. باص النقل الداخلي الضخم يطلق بوقه طالباً من السيارات الصغيرة التحرّك لإفساح الطريق الضيق الذي حوِّل له السير بعد أغلاق الاتستراد المزدوج المار من أمام الهيئة الشرعية في حي قاضي عسكر بحلب..!! على الرصيف يتراكض الأطفال محاولين إبقاء الطائرة التي تحوم في قلب السماء تحت أنظارهم .. يصيح أحدم.. زتت..!! يصيح آخر.. زتت..!!
يبدأ الجميع بالصياح .. زتت.. زتت..!! تسكت مضادات الثوار الأرضية.. التي كانت أصواتها تسمع في الأرجاء.. محاولةً _عبثاً_ إصابة تلك الطائرة التي تطير عاليا في السماء..!! ينزل البرميل على مهله شاقولياً من السماء.. يبدأ التراكض العشوائي.. نحو مداخل المباني.. والمحلات.. تنبطح عائلة بأكملها قرب الرصيف .. تضع الام طفلها تحت صدرها وتنبطح فوقه..!! الأب يمسك بيد إبنته ويستلقيان بقرب الرصيف..! تبدأ السيارات بالتصادم.. يحاول ركاب الباص تركه متدافعين إلى بابه..!
نصف دقيقة.. يصل البرميل الأرض.. يقع عند باب حديقة حي "الميسر" بالقرب من شارع "عثمان"..!! ينفجر.. تتطاير أشاء ركاب سيارة مكرو باص من شبابيكها..!! لتختلط مع أشلاء عائلةٍ حاولت الاحتماء بسور الحديقة..!! تتطاير الشظايا كأسراب الغربان في السماء.. الغبار الإنفجاري يحجب الرؤيا.. لكن حفيف الشظايا التي تدور مندفعةً نحو الأعلى يكسر صمت اللحظة..!!
بعد دقيقة.. يبدأ الشباب بالصياح.. شيلو الجرحى يا شباب..!! يبدأون بالتراكض.. متداعين لمكان الانفجار.. يقترب أحمد من الميكرو باص.. يجد رجلا في الاربعينات يجلس في الكرسي الامامي بجانب السائق يسبح بدمائه محركا رأسه كمن يتخبط من الألم.. يحاول أحمد فتح الباب فيفشل.. يحاول من جديد.. فيفشل.. يمسك يد الرجل فيسحبها.. فتنفك من تحت كُمه لتخرج وحدها.. يسقط أحمد بجانب الباب مغمياً عليه.. يقوم شابان أخران بحمله ورميه في "البيك أب" الذي يجمع الجرحى..
أخرون أتجهوا إلى محيط سور الحديقة.. حملوا على أكتافهم أشلاء الأشجار الشهيدة.. التي اقتلعها الانفجار من جذورها.. واتجهوا بها إلى بيوتهم .. لتكون عونا لهم على شتائهم..!! جلال ذو الثلاثين عاما حمل على كتفه أحد غطائي البرميل السميكين.. فأوقفه شابٌ قائلاً .. طوّل بالك.. وين آخدو..!! أستنى يجو الدفاع المدني والإعلاميين مشان يصوروه..!! يرمي جلال تلك "الصينية" الحديدية الضخمة.. ويضع رجله عليها منتظراً قدوم الإعلاميين..!
حلب.. حي الميّسر.. 14-12-2013




أخر ما نشر