فقط أريد أن أشرب !!
الثلاثاء 31 مايو / أيار 2016 21:24
غياث الجندي
فقط أريد أن أشرب !!
مد رأسه خارج خيمة ألمه...تفضل لدينا قهوة عربية. كانت لهجته الحموية تصدم رأسي بحزنها الواضح. حين صعدت درجة درجة لأراه يجلس مع عائلة صغيرة...قال لي اريد قليلا من الماء...نريد أن نشرب الطقس حار ونحن نتبخر. كانت ابنته تجلس أمامه ترتدي ابتسامة ساحرة وفستان عليه بقع سوداء كعلم الاتحاد الأوربي لليأس.
أراني ملابسه وأرتنا زوجته بيجامة قالت لي أنها حصلت عليها منذ ثلاثة أشهر حين كان لديها أمل حين وصلت على شاطئ متيليني.
"ثلاثة عشر يوما نصارع عرق الصيف ولم يلمس جسدنا مياه دافئة"...كانت عيناه دافئة وكلماته تمطر حزنا وبيديه يشير نحو اتجاه اليأس. أبنته الأصغر لم تدخل المدرسة أبدا عاشت 5 سنين تحت قصف المجرمين وثلاثة أشهر في مخيمات أوربا القاسية. ضممتها فابتسمت وبكى والدها ومن ثم بكت الأم وبكت الشجرة فوقنا وبكى كل شيء معنا وبكى الصمت أيضا وبكيت أنا ثم حاولت أن أضحك وحين حاولت بكيت مرة أخرى. قصصه تشبه كل القصص لكن طريقة روايته لها فيها أسلوب شيق من الألم. يسردها ويسرد طريقة هروبه من براميل السفاح وعنف "الثوار" ....يرفع يديه وحاجبيه وقلبه نحو السماء الفارغة ويقول....أنا لا أريد شيئا لا أطمع بشيء...قليلا من الانسانية أيها العالم الأحمق...قليلا من مياه الشرب أيها العالم الفارغ. كنت كلما أوشكت على المغادرة.....تأتيني قصة أخرى فأجلس وأبكي معه ويعود بعدها ليبتسم ...أعتقد كان يريد أن يشجعني أليس كذلك...لابنته الصغيرة عينان ساحرتان وابتسامة فيها من الحب على قدر الألم الذي تعيشه. يدها وراء ظهري.....فقط لحظات من الأمان الذي تحلم به....لا يمكنني المغادرة..اريد أن ابقى معها..عمرها عشر سنوات...قالت لي تعلمت القراءة في المخيم ...مخيمها عشوائي فقد أتت من جحيم مخيم الحدود ولم يقبلها المخيم "الشرعي" ولا أحد .....ماء للشرب أيها العالم الأجوف...سيدرين تريد فقط ماء للشرب...فقط تريد أن تسقي ابتسامتها كي لا تذبل بجحيم أثينا....مشيت معها إلى داخل المخيم وسألتها ماذا تريد.....ماذا تحلم....أجابت مياه الشرب ومدرسة....أقف...كل شيء يبكي ...كل شيء أجوف. قبعتي تغطي عينيي وقلبي يبكي وترى سيدرين ماذا يدور حولها...هذا العالم الأناني...العالم الجشع يتركها خارج المخيم ....فستانها بلون الوحل....وحل الحدود...وحل الأمان...وحل الحلم الأوربي......تحتاج لمياه الشرب ومدرسة......أعطيتها مياه الشرب فمن يتبرع بمدرسة!!!!
في هذه البقعة من الأرض اليابسة....خيم وأطفال لم يفقدوا أي شيء لأنهم لم يحصلوا من قبل على أي شيء...قنابل بدل المدرسة......عادت سيدرين وحين مررت من أمام خيمتها في المساء....كانت تستسلم لقليل من البرودة وتنام..كانت تتغطى بابتسامتها وصوت خفيف لأوراق الشجرة التي تغطي خيمتها...."الله يخليك ما تغيب كتير"....آخر كلمة في مساء والدها.....أين المدرسة؟؟؟؟؟



أخر ما نشر