سيدة الكوبرا
الأربعاء 18 يناير / كانون الثاني 2017 22:31
نورس محمد
سيدة الكوبرا
قصة قصيرة
وصلت اليوم الى مكتبي وانا اقضم تفاحة التقطتها من مقبرة المدينة. جلست وراء الكومبيوتر لأتفحص بريدي الإلكتروني وبينما أقرأ الرسائل وإذ برقم لهاتف وصور لسيدة في الأربعينيات أخذت تتزاحم في مخيلتي، ورجل يلح علي بالاتصال بالسيدة. اتصلت بها واتتني الى المكتب.
- أهلا وسهلا سيدة هنادي، تفضلي ادخلي.
دخلت المكتب وجلست.
- أنا اسمي هند ولست هنادي. زوجي المرحوم فقط كان يلقبني هنادي. هل تعرف زوجي؟
- لا ولكن اعرف الكثير عنك.
- عني أنا؟
- نعم.
- مثل ماذا؟
- عنيدة لا تسمعين كلام احد. تهينين زوجك امام اهلك بدون الاهتمام بمشاعره.
- من قال لك ذلك؟
- تطلبين من زوجك مساعدتك في المطبخ ومن ثم تطردينه. تكرهين احلام وتقلدين نانسي وترقصين على اغنية بوس الواوا. تدخنين ثلاثة علب من السجائر في اليوم. تحبين اللون الاحمر والملابس القصيرة المغرية. تسهرين حتى الصباح وتنامين طوال النهار. تحبين السهر في البارات وتشربين الى ان تتقيئي. زوجك يعمل حرامي ونصاب وتعملين معه في النصب والاحتيال. قتلتي كلبك جندرمه لأنه يزعجك نباحه. تلسعين كالأفعى كل من يقف في طريقك. لذلك لقبك زوجك بسيدة الكوبرا.
- من اخبرك كل ذلك؟
- وفي غرفة النوم تحبين النوم عارية وترفعين صوت...
- الى هنا يكفي، أعرف ما افعله في غرفة النوم. اجب على سؤالي من اخبرك بكل ذلك عني.
- شخص يحب أن يطمئن عنك. هل أنت بخير؟
- هل انا بخير؟ اخبرني انت. هل انا بخير؟
- اطمئني ستكونين بخير. الان يمكنك الذهاب. آسف لم اقدم لك ما تشربينه. لقد اشترينا جهاز جديد للقهوة وانا لا افهم في التكنولوجيا، قريبا عندما تكون السكرتيرة هنا ستتذوقين القهوة من جهازنا الجديد وتحكمين بنفسك على جودتها.
- هذا كل ما تريده مني. دعوتني لتخبرني انك تلاحقني وتعرف الكثير عني؟
- سأخبرك بأشياء أخرى في الوقت المناسب. الان يمكنك الذهاب.
وقفت على قدميها وما ان استدارت للمغادرة حتى قبضت على مؤخرتها وهمست بأذنها: يسلملي الجينز اللي تحته كنز.
صفعتني بقوة على وجهي وغادرت غاضبة والشرر يتطاير من عيناها.
وجدت نفسي وراء القضبان، متهما بمحاولة اغتصاب السيدة هند. بينما انتظر محاميي لكي اشرح له ما حصل فتح حارس السجن الباب واعطاني هاتف محمول.
- مكالمة لك.
على الطرف الاخر من الهاتف كانت السيدة هند.
- هل تعلم عندما قبضت على مؤخرتي احسست بأن يد زوجي تمتد الي. دائما وقبل النوم كان يقبض على مؤخرتي ويكرر نفس العبارة. يسلملي الجينز اللي تحته كنز. لماذا قبضت على مؤخرتي؟
- لا أعرف. في لحظة ما وفي اللاشعور.
- في اللاشعور.
واتبعتها بضحكة مدوية.
- ما المضحك في كلامي؟
- في اللاشعور... ذكرتني بالضابط النمر.
- النمر!
- صاحب نظرية اللاشعور ونظرية اعداء العالم. المهم لم تجبني لماذا قبضت على مؤخرتي.
- لا اعرف لربما له علاقة بالملاك الاخضر.
- هل تعرف بقصة الملاك الاخضر؟
- بالطبع.
- وما علاقة الملاك الاخضر بمؤخرتي؟
- اخبريني انت. بماذا تختلف مؤخرتك عن مؤخرات الأخريات؟
- اجملهن طبعا ولكن يوجد وشم لأفعى الكوبرا على مؤخرتي.
- هل أنت متأكدة؟
- بالطبع. مؤخرتي واعرفها جيدا.
- هذا هو السر اذا.
- سر ماذا؟
- الملاك الاخضر موجود في بنك كوبرا إنترناشيونال.
- هل انت متأكد.
- لا ولكن ممكن ان نتأكد.
انقطع الاتصال وماهي الا دقائق حتى تم اخلاء سبيلي وأسقطت التهمة عني.
عدت على الفور الى مكتبي وإذ بالباب مفتوح وهند تعد القهوة. كانت تلبس ملابس مغرية، بلوزة شفافة، وتنورة قصيرة وحذاء بكعب عالي.
- يبدو انك خبيرة بالتكنلوجيا.
- وخبيرة بأشياء اخرى. كيف تحب قهوتك؟
- سادة. كيف دخلتي المكتب؟
- زوجي حرامي وانا أساعده. هذا كلامك.
ذهبت الى طاولتي. لحقت بي هند وهي تحمل فناجين القهوة.
- تفضل القهوة.
- شكرا
- ماذا تعرف عن الملاك الاخضر؟
- نصف مليون دولار سرقهم زوجك من البنك بمساعدة ثلاثة من المافيا. استفرد زوجك بالمبلغ وهرب. طاردوه وقتلوه وأنت حاليا تحاولين استرداد المال.
- وانت تعتقد بان المرحوم زوجي اودع النصف مليون دولار في بنك كوبرا انترناشونال.
- لا اظن ايداع وانما وضعهم في قاصة في البنك.
- ولابد من معرفة رقم القاصة وايجاد المفتاح.
- صحيح ولكن اعتقد اني وجدت رقم القاصة ومكان وجود المتاح.
- كيف؟؟؟؟
استدرت الى الكومبيوتر وفتحت برنامج الفوتوشوب ومن ثم فتحت صورة للوشم المطبوع على مؤخرتها.
- هل هذا هو الوشم؟
- نعم. ولكن كيف حصلت عليه؟
- من المحل الذي حفر الوشم على مؤخرتك.
- حفر الوشم على مؤخرتي. هههههههه.
- اليس حفرا بالإبرة ام ماذا. لربما يسمونه طباعة. ماذا يسمون تثبيت الوشم على الجسد؟
- لا أعلم. ولكن الوشم صحيح. هل تريد ان تتأكد؟
ادارت ضهرها لي ومن ثم رفعت تنورتها وارتني الوشم.
- تريني مؤخرتك بدون حرج؟
- سأريك مقدمتي إن احتاج الأمر. هل تأكدت الأن؟
كان الوشم صورة لأفعى الكوبرا تلبس قبعة وتجلس في حذاء.
- ما المقصود من هذا الوشم؟ افعى تلبس قبعة وتجلس في حذاء!
- ما بين قبعتي وحذائي توجد افعى الكوبرا التي هي انا. أنا سيدة الكوبرا. قل لي ماذا وجدت؟
- انظري هنا. في اسفل الحذاء. ماذا تشاهدين؟
- مقاس الحذاء. شيء طبيعي. كل حذاء مطبوع بأسفله رقم.
- ولكن هذا الرقم ثلاثي. لا اظنك تلبسين حذاء مقاسه ٦٥٤!
- بالطبع لا.
- ماذا تتوقعين ان يكون هذا الرقم؟
- رقم القاصة!
- بالطبع.
- واو انت عبقري. الأن اين المفتاح؟
- هل الحذاء الذي تلبسينه الان هو نفسه الموجود على الوشم؟
- نعم؟ انت مجنون إن كنت تعتقد بأن المفتاح في حذائي.
- ركزي على كعب الحذاء في الوشم. ماذا تشاهدين؟
- لا شيء استثنائي.
- لحظة سوف اكبر الصورة قليلا.
كبرت الصورة وسبحتها الى وسط الشاشة.
- الان أرى شق في كعب الحذاء.
- نعم المفتاح في كعب حذائك.
- ولكن الحذاء غال.
- لا اعتقد انه اغلى من نصف مليون دولار.
- بالطبع لا، خذه واكسر كعبه.
خلعت فردتي حذائها واعطتني اياهما. ذهبت الى طاولة في الطرف الاخر من المكتب. اخذت من مجرورها مطرقة والتقطت مفتاح صغير وخبأته في باطن يدي. عدت الى طاولتي وجلست القرفصاء بينما هند تراقبني. هويت بالمطرقة على كعب الفردة الاولى من الحذاء.
هند: ربما في كعب الثانية هيا اطرقه بقوة.
هويت على الفردة الاخرى وفصلت كعبها واسقطت من يدي المفتاح بدون ان تشعر. التقطته متصنعا السعادة.
- انظري ماذا وجدت!
- المفتاح.
- نعم المفتاح.
- انت أنت.
قفزت علي ورمتني على ضهري وارتمت فوقي وقبلتني بحرارة.
- ما رأيك بعد ان تعيد لي اموالي وفي اللاشعور تقفز في فراشي وليعلم العالم من هم أعداء العالم.
- قبل أن اذهب. يجب ان تعرفي.
- اتعابك ٣٠ بالمئة.
- شكرا على الكرم. في الواقع كنت سأطلب ٢٠ بالمائة.
- انا سخية مع من يتعامل معي بأمانة وصدق. وسيدة الكوبرا مع من يخدعني. هيا اذهب وأرجع لي نقودي.
نهضت وساعدتني بالنهوض وشدت لي ربطة عنقي. وما ان ادرت لها ظهري للمغادرة قبضت على مؤخرتي: يسلملي البنطلون اللي تحته نص مليون.
دفعتني من ضهري: هيا استعجل قبل ان يغلق البنك..... توقف.
توقفت ونظرت اليها.
- من أنت ولماذا تغامر بمستقبلك من أجلي؟
- انا نورس محمد. محقق مستقل. افعل ما افعله من أجل العدالة.
- ماذا تقصد؟
ذهبت الى الباب ففتحته على مصراعيه. تدفق مجموعة من رجال الامن والقوا القبض على سيدة الكوبرا. السيدة مطلوبة للعدالة بجرائم كثيرة وأخرها قتل زوجها بسبب النصف مليون. وبعد ان قتلت زوجها اجرت على نفسها عمليات تجميل كثيرة وصبغت شعرها وغيرت اسمها و لم يبقى منها الا وشم الكوبرا لم يتغير وكان لابد من اختلاق قصة للتأكد من انها السيدة المطلوبة. عالجت صورة الوشم بالفوتوشوب واضفت عليه رقم لا على التعيين. واما سبب كسر كعب حذائها هو لمنعها من اخبار المافيا مكان وجودها. حيث توجد في كعب الحذاء شريحة تعقب ترسل اشار نجدة الى المافيا عند الضرب على كعبها مرتين متتاليتين وبقوة.
النصف مليون تم استرجاعه وارجاعه الى البنك منذ فترة طويلة.
ذهبت على الفور الى قبر زوجها المغدور به ووضعت على قبره باقة من التوليب الأسود معلنا نجاح المهمة التي اوكله لي. فأنا عملائي هم الموتى. اتواصل معهم عن طريق اكل بقاياهم بشكل غير مباشر كأكل الفواكه او الخضروات او الورود المحيطة بالقبر واحيانا اكل الحشرات والديدان الزاحفة حول القبر. منهم من يريد احقاق الحق ومنهم من يريد اخبار عائلاتهم عن امور نسي ان يخبرهم بها ومنهم من يريد التسلي مع الاصدقاء الأحياء.
نعم انها مقززة ومجرد التفكير به مقزز ولكن في حقيقة الأمر نحن نأكل بعضنا البعض ونستخدم بقايا بعضنا البعض. عندما تدق مسار في بيتك لربما تكون تدق مسمار من بقايا جسد جحا. وعندما تحس نفسك عبقري فلربما اكلت من بقايا انشتاين. واذا كان تفكيرك اجرامي ومن سوريا فلربما اكلت من بقايا المقبور حافظ الاسد.
نورس محمد



أخر ما نشر