رائحة الخبز تجاوزت الجغرافيا
الجمعة 24 مارس / أذار 2017 20:39
هدى أبو نبوت
رائحة الخبز تجاوزت الجغرافيا
اليوم هو اليوم الثالث من بداية فصل الربيع,في مثل هذا اليوم من عاميين كنت في دمشق عائدة من درعا في زيارتي الأخيرة لمدينتي الحبيبة,ودعت وجه أمي الذي لم يتاح لي منذ يومين أن أقول لها كل عام وأنت بخير بذكرى عيد الأم,غاب صوتها بضجيج الحرب ولكن لم تغب ضحكتها ,ألربيع جميل جدا جدا حيث تقيم والدتي حاليا ,لا أعلم إن كانت مازالت تحتفظ بالسلاحف التي كانت مصدر سعادة لفرح وشام وبنات أختي,فرح حتى الأن رغم مرور عاميين مازالت تتذكر تلك السلحفاة الصغيرة جدا بحجم الإصبع والوحيدة الني تجرأت على الإمساك بها,في حين راقب الأطفال جميعا ذات الحجم الكبير عن بعد,رائحة الخبز تصل إلى أنفي رغم بعد المسافات تتجاوزكل الجغرافيا ,لا تعبئ بالحدود وكل الصراعات ,تثير شجوني وكل ذكرياتي عندما كان لي حياة,عندما كانت هدى تضحك من قلبها ضحكة يحسدها عليها الجميع,ويتسألون دائما كيف لها أن تضحك في كل الظروف,تلك الضحكة التي تحولت لشبح خالي من الروح ,الروح التي تركناها جميعا أمانة بين الركام,لم يعد هناك منازل نعود لها ولا شوارع تحتضن مشاورينا المسائية ذات صيف,أحن إلى عرابية الفول النابت وعرانيس الذرة ,هناك حيث كان لنا أحلام, عندما ركبت من دمشق عائدة لحلب عرفت تماما أنتي سأودع حياة,تأملت كراج العباسيين بدموع لم أستطع أن أذرفها,شعرت بحجم الغربة تجتاحني قبل أن أصبح غريبة,سألت نفسي كيف أصبحت شوارع دمشق بهذه البرود ؟هذه المدينة التي كانت شاهدة على أجمل مراحل حياتي ,وكل أحلامي التي دمرتها هذه الدبابة التي تقف بالمقابل مني,وذالك الحاجز العسكري الذي يطارد كل واحد منا,أتذكر أنني حاولت أن أخرج هاتفي لألتقط صورة أحتفظ بها بقلبي ,ولكن شجاعة هدى خانتها ,خافت أن يتكرر معها ذات الموقف الذي تعرضت له هناك عند معبر بستان القصر,عندما كانت ستقاد للتحقيق بسبب صورة لم تنجح في التقاطها للجموع الغفيرة عند معبر الموت في حلب,أظن أنني تخليت عن تلك الشجاعة التي كان الجميع يراها تهورفي سوريا خلال خمس سنوات عشتها هناك عند الحدود التركية ,عندما نجحت بتجاوز ذالك الخط الفاصل منذ عاميين علمت جيدا أن طريق العودة أطول بكثير من طريق الهروب ,ألم نهرب جميعا؟حتى لو كان هروب بإتجاه الحياة,ولكنها ليست الحياة التي تمنيناها ,كنا نريد حياة تشبه حياة كل البشر ,ولكننا هربنا من الموت لنحافظ على شبح حياة.



أخر ما نشر