نجاح السمان هو الاسم الحقيقي للفنانة نجاح حفيظ
السبت 27 مايو / أيار 2017 08:40
نجم الدين سمّان
نجاح السمان هو الاسم الحقيقي للفنانة نجاح حفيظ
قد لا يعرف كثيرون.. بأن نجاح حفيظ من عائلة السمّان الدمشقية المعروفة؛ ومنها: عميد كلية الحقوق – وزير التربية الدكتور أحمد السمان قبل انقلاب آذار البعثي عام 1963؛ وابنته الكاتبة السورية المعروفة عربياً وعالمياً: غادة السمان؛ التي انتقلت من دمشق عام 1964 للعيش في بيروت المنفتحة على الثقافات والفنون وحرية الصحافة؛ ثم غادرتها نهائياً إلى باريس لتستقرّ فيها منذ 1984.

أما نجاح السمان فقد جَنَّبت عائلتها انتقاد الأوساط التقليدية في دمشق؛ باتخاذها ذاك الاسم الفني: نجاح حفيظ منذ 1966 حين بدأت مشوارها الفني في إذاعة وتلفزيون دمشق؛ وذلك بعد عامٍ من تأسيس عبد الرحمن النجّار "أبو التركي” لنادي الفنون الشعبية في إدلب عام 1965؛ بعد أن كان قد أسَّس أولَ فرقةِ فنونٍ شعبية في المحافظة عام 1950؛ وقضى عاماً كاملاً في بيروت يُدرّب فرقة الرقص الشعبي التي أسّسها الرحابنة لترافقهم في أعمالهم الغنائية المسرحية.

أتذكّر منذ طفولتي بأنّي دخلت نادي الفنون الشعبية لأول مرّة وعمري 8 سنوات؛ إلى مَقَرِّهِ في الطابق الأرضي من بناء عبد الرحمن دويدري في الشارع العام؛ حيث كان عمّي بهاء الدين سمّان عضواً في الفرقة المسرحية للنادي؛ وأخرج لها عملين مسرحيين؛ لكنه اصطدم بعدم جدوى البحث عن فتاةٍ أو سيدةٍ في إدلب لتأدية الدور النسائي في المسرحية؛ فسافر إلى دمشق وتعاقد مع نجاح حفيظ.

سمعتهُ يُناديِهَا مازحاً بابنة العمّ في جلساتنا العائلية نظراً لتقارب الكُنيَتين؛ وبالسيدة نجاح أمام الآخرين؛ بينما نزلَت ضيفةً على أسرته طيلة شهر؛ ريثما تنتهي التدريبات "البروفات” ويتمَّ عرض المسرحية.

زارتنا نجاح حفيظ في بيتنا أيضاً.. عِدَّة مرَّات: على "عزيمة” غداءٍ فاخرة؛ أو.. على سهرةٍ حول تلفازنا بالأبيض والأسود؛ ثمّ ظهر "أبو رشدي -حكمت مُحسِن” ومن حَولِه:”أبوفهمي- فهد كعيكاتي؛ وأم كامل -أنور البابا؛ وآخرين.. في أغنيةِ: "حبيبي.. لابِس قِمبازو”؛ فأخذت نجاح حفيظ تُغني معه أيضاً.

تلك السهرات كانت تتخلّلها بالطبع.. صَوَانِي: "الشعيبيات” و”النَمُّورة”؛ وأيضاً.. صينيّة "قرص ضَهرِي” التي لم أجد لها مثيلاً حتى بين حلويات حلب الشهيرة.

ما تزال ضحكات نجاح حفيظ وتعليقاتُها الساخرة في ذاكرتي؛ مُذ التقيتُها لأولِ مرَّة؛ وقد تجمَّعنا حولَهَا تلعبُ "البرجيس” مع زوجة عَمِّي بهاء؛ ونحن حولَهَا مع أولاد عمِّي؛ تغمرنا بحنانٍ لافت؛ ونضحك لتعليقاتها الشاميّة اللطيفة الساخرة.

ثمّ رأيتها على خشبة المسرح.. شيئاً آخرَ مُختلفاً تماماً؛ مُندمجةً في دورها المسرحيّ إلى درجةٍ التقمُّص؛ وهو شيءٌ لم يُفارِقها طيلةَ أعمالِهَا اللاحقة؛ حتى أنها في مسلسل "البقعة السوداء” جَسَّدت دور أمٍ لشابين؛ أحدهما.. يُزَفُّ شهيداً ليلةَ عُرسِه، والثاني.. يسافر من أجل تحسين وضعه؛ وفي مشهد رحيله؛ ولشدّة تأثرها بدورها، فقدت نجاح حفيظ وَعيَهَا بالكامل؛ وتوقّف التصوير حتى استعادَتهُ.

على مدى عامين.. زارت نجاح حفيظ مدينة إدلب؛ أقامت فيهما شهرين لدعم فرقةٍ مسرحيةٍ في مدينةٍ نائيةٍ في الشمال السوري؛ وخلال الزيارتين.. لمستُ عفوية وطِيبة نجاح حفيظ؛ ثمَّ صرنا نُتابعها عبر التلفزيون؛ وبخاصةٍ.. شخصيتها الفنيّة المتميزة فنياً: "فطّوم حيص بيص” في مسلسل "صَحّ النوم”.

بعد ذلك.. لم التقِ بنجاح حفيظ.. إلا صُدفَةً بعد ثلاثين عاماً في دمشق؛ حين دخلَت كافتريا فندق الشام مع صديقةٍ لها وجلستا على طاولةٍ بجانبنا؛ مُحتفظةً بالابتسامة الساخرة الضاحكة إيّاها؛ ثم دخل صديقٌ فمازحني:
– أشو يا خاي.. إنتِ هون؟!.
التفتَت السيدة نجاح فوراً؛ تسال: – مين فيكُنالإدلبي؟!
أشاروا إليّ؛ فتابعت تسالني: – هل تعرف بهاء الدين سمّان؟.
قلتُ: – عَمِّي.

فنهضَت من طاولتها تسحبني نحوها وهي تسألني عن أخباره وعن أبي وكلّ العائلة؛ قلتُ لها:
– طلّق عمّي المسرح ثلاثاً.. بَعدَكِ؛ حين اقترحوا عليه في نادي الفنون الشعبية أن يقوم رجلٌ بأداء الدور الرئيسي في المسرحية الثالثة.

ضحِكَت: – كان يخبِّرني.. كنت حكيت له مع أم كامل!.
فذكّرتها بلعبة "البرجيس” في بيتنا؛ وبأحد تعليقاتها الساخرة:
– شَكِّه وبارَه.. تتجوَّزَك الفارَه.
إذا كان مُنافِسُها رجلاً.. كعمِّي بهاء؛أو تقولُ لمُنافِسَتِها:
– بارَه وشَكِّه.. تجيكيالحَكِّه.

وكنت قد عرفتُ بأنّها قد تزوجت ولم تُنجِب؛ ومن أصدقائنا في الوسط الفني بأنها كانت تُعاملهم وكأنهم أولادُها وبناتُها؛ حتى أنها قد بَرَعَت في تأدية دور الأمّ في أعمالٍ تلفزيونيةٍ كثيرة؛ كأنّما تُعوِّضُ من خلالها عن حرمانها من أمومتها.

ولم أتوقع حين ماتت.. بأنّ ستة ممثلين فقط قد شاركوا في جنازتها المُتواضعة.. الصامته؛ بينما تخلَّفَ الأبناءُ العاقّون والبنات العاقات من شبِّيحة فناني الأسد؛ وحتى نقابتُهُم؛ عن وداعها.. مُكتَفِين بعباراتٍ عامةٍ على صفحاتهم الفيسبوكية!.

يا للعار.. الذي يرتديه كجِلدِ الخراتِيت؛ هذا النظامُ الحِيوَانِيُّ الأسديُّ بِرُمَّتِه!.
لو كانت "رغداء نعناعه” هي الميتة.. لكانت لها جنازةُ شهيدةِ التشبيح الأولى بامتياز!.
ولكن لحكمةٍ ما.. يخطِفُ ملاكُ الموتِ الأصلاءَ من بيننا؛ تاركاً لنا.. الشَبِّيحةَ والمُعَفِّشِين والقتلة!!.

الفيحاء نت



أخر ما نشر