صدقة الفطرلطير اليمام .
اللهم إني صائم
الأحد 25 يونيو / حزيران 2017 00:38
عبد الرحمن عمار
صدقة الفطرلطير اليمام .
في القرن الواحد والعشرين لا تجوز زكاة الفطر إلا إذا كانت من التمر أو الزبيب أو الشعير أو الإقط.. هكذا يقول كبار الفقهاء.
تتعدد الأحاديث وتتنوع الآراء حول زكاة الفطر في الأيام الأخيرة من رمضان، أعاده الله علينا وعليكم ونحن في ديارنا المنكوبة.
وبما أنني أنا رجل غشيم بمسائل الفقه والدين، فقد خطر في بالي عدة أسئلة. الأول هل زكاة الفطر مفروضة على اللاجئ السوري الذي يعتاش على حسنات المحسنين.!؟.
لجأت إلى العم غوغل، وبدأت أبحث وأنقب، فأجاب أهل العلم بحزم وعزم وجزم: زكاة الفطر مفروضة على الصائم، ولا تسقط عنه أبداً ما دام يملك قوت يومه.
وهنا سألت نفسي: طيب مادامت الزكاة مفروضة على الجميع، فلمن تُعطى إذن.!؟.. وهل هناك عائلة في الكرة الأرضية لا تملك قوت يومها.!؟.
ما علينا.. سأغض الطرف عن الجواب، فهناك سؤال أهم.
قلت للعم غوغل أريد أن أعرف هل الزكاة عينية أم نقدية.!؟. أي هل هي طعامٌ أم فلوس.!؟. وقبل أن يجيب غوغل أوصيته أن يأتي بآراء أكابر.. أكابر العلماء.
بحبش غوغل في ذاكرته، فأحالني إلى ابن باز وابن العثيمين وغيرهما من أكابر علماء المسلمين.!!. والكل أجمعوا على أن زكاة الفطر لا تُعطى نقوداً، بل كما كان يعطي رسول الله وصحابته الكرام، وهي صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو إقْط، والإقط هو قريشة الشنكليش فيما أظن. وقد أكد ابن باز أن إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز ولا يجزئ عمن أخرجه؛ لكونه مخالفاً للأدلة الشرعية ".
وبما أنني مؤمن وأحب الاقتداء برسول الله والسلف الصالح، وبما أنني كنت فلاحاً وابن فلاح، فقد قررت، وأنا أعيش في القرن الواحد والعشرين, أن أعطي زكاة الفطر قمحاً، لأننا نحن أهل القصير كنا مشهورين بزراعة القمح والشعير في غابر الأيام، ولن أعطي الزكاة لا بالدولار ولا بأية عملة أخرى.
ولكن من أين أجلب القمح.!؟. والأهم من ذلك؛ من أين أحصل على ثمن صاع القمح، وأنا اللاجئ المنتوف في ديار الشتات.!؟. لكن "الشرع" يقول: دبر راسك، المهم عليك أن تدفع زكاة الفطر، وإلا فأنت آثم، والنار بانتظارك.!؟.
بعد أخذ ورد حزمت أمري وقررت أن أستدين المبلغ المطلوب، ووفقني الله في ذلك، وذهبت فوراً إلى سوق الحارة، فدخلت أول محل حتى وصلت إلى آخر محل، والكل يقول: ما عندنا قمح للبيع. ثم نصحني أحدهم بالذهاب إلى سوق الحبوب. لكنه بعيد، والوصول إليه يحتاج إلى التنقّل في أكثر من حافلة، وكل حافلة تحتاج إلى ثمن صاع من القمح أو أكثر. وعندها رفعت يديّ الاثنتين إلى أعلى، وقلت يا قاضي الحاجات.. فيسّرها الله معي، واستدنت المبلغ المناسب، ورحت إلى سوق الحبوب، وعدت مظفراً وأنا أحمل صاع القمح المطلوب، بعد أن تراكم علي دين يعادل ثمن أربعة أرطال من القمح، أي أربعة أضعاف من ثم صاع القمح الواحد المفروض لزكاة الفطر.
قُصْر الكلام.. دلوني على عجوز تسعينية، فقصدتها لأعطيها صاع القمح، فنظرتْ إلي باستغراب واستنكار، ثم قالت لي بصوت متقلقل: يا ابني، شو بدي أسوي بالحنطة.. من قديم كانوا يعطوا الفطرة حنطة وذرة صفرة، وكنا نجمع الرطل فوق الرطل حتى يصير عنا طحنة.. نعبيها بالعِدل ونحط العِدل على الجحشة.. ووينك يا العاصي ووينك يا طاحونة القنطرة أو يا طاحونة أم رغيف.. كنا ناخدهم حَب ونرجعهم طحين، ونحط الطحين بالكْوارة، وكل يومين تلاتة، نعجن عجنة ونخبزها بالتنور وناكل ونحمد رب العالمين.
ثم برقت عيناها بدمعة تكاد لا تظهر، وقالت: أما هلأ يا حسرة معاد فيه شي.. لا العاصي موجود ولا الطاحونة ولا الكوارة ولا التنور ولا البيوت..
وكمن فطنتْ بشيء فسألتني: بس يا خالتي، مين نصحك هالنصيحة وقال لك اعطي الفطرة حنطة.!؟.
ــ ابن باز يا خالتي.. ابن باز.
ــ ومينو هاد ابن باز بلا صغرة.!؟.
ـ هاد كان شيخ مشايخ أعظم دولة إسلامية، الله يرحمه، وهو اللي قال يا خالتي: زكاة الفطر لاتجزئ..!! والواجب أن تكون من الشعير أو الزبيب أو التمر أو الإقط.. وكمان هو اللي قال كل بزمانو: من يعتقد أن الأرض كروية فهو كافر".
ــ إي الله يصلحو ويسامحو، أي أنا الأمية بعرف إنو الأرض من يوم يومها مدعبلة ومدحكلة.. يعني أنا صرت كافرة.!!.. وبعدين إذا صار لي فطرة دولارين بدل صاع التمر أو الشعير بيضرني يا خالتي.!!.
ثم قالت: بس هالكلمة اللي ذكرتها؛ لا يجزئ، ما فهمت معناتها.
ــ معناتها ما بيجوز زكاة الفطر تكون مصاري أبداً، يعني بلغة المرحوم أبو عدنان: ما بيسْرُب ولا يسرب ولا يسرب..
ولكي أحاول أن تقبل مني الزكاة، قلت لها: اجبري بخاطري وخُدي مني رطل هالحنطة يا خالتي.
فأجابتني بمرارة: الله يبعت لك يا خالتي.. شوف غيري بيجوز تلاقي مين يا خدها منك.
والطريف أنني درت ولفيت على عدد من المحتاجين والمحتاجات، والكل كان يقول لي: الله يبعت لك.
وأخيراً عدت إلى بيتي، واليأس يبدو على سحنتي، وإذا بفرج الله يأتي من غامض علم الغيب، فمنذ عدة أيام شيّدت يمامة عشها في مكان محايد من البيت، وهي تحضن بيضها معظم ساعات الليل والنهار، فوضعتُ قربها كمية من حبوب الصاع الذي اشتريته، فبدأت تلك اليمامة تلتقط الحبة تلو الحبة، وهي فرحة وكأنها تقول: جزاك الله خيراً.. هكذا خُيّل لي.
وبما أن طيور اليمام من الطيور شبه المقدسة في بلاد الشام، فهي موجودة بكثرة في هذه المدينة أو تلك، وصوت هديلها الحنون يبعث الراحة في نفس الإنسان، ولذلك بدأت أرشّ القمح هنا وهناك والطيور تحلّق وترفرف بأجنحتها، ثم تهبط وتلتقط ما تبسر من الحبوب المتناثرة.
وهكذا وزعتُ زكاة الفطرة على طيور اليمام، وأنا أدعو في نفسي: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ولكن خوفي أن يتمعلم أحد عليّ ويقول: الزكاة إلى طيور اليمام لا تجزئ.. أي لا يسرب إعطاؤها، ولا يسرب.
وكل عام وأنتم بألف خير.




أخر ما نشر